Thursday 17 January 2013

هكذا ضللونا فأضرونا هكذا ضللونا فأضرونا

مقال نشر بتاريخ ٢١ نوفمبر  ٢٠١٢ على موقع يمنات
**********

الحزبية تبدء بالعمالة وتنتهي بالخيانة, أو العكس, بدايتها خيانة ونهايتها عمالة, وعلى أي نحو كان فالحزبية ببساطة كانت محض عمالة وخيانة في المبتدأ والمنتهى.

هكذا كان ينص دستور اليمن الشمالي قبل الوحدة اليمنية محرماً ومجرماً كل نشاط حزبي, مما دفع بقلة من المخاطرين الشجعان في تأسيس احزاب عدة شديدة السرية والتعقيد الهرمي لها, وكان بالنتيجة مصير الكثير من منتسبيها عند الاشتباه بهم او انكشافهم المطاردة والملاحقة الأمنية والتنكيل بهم بشتى انواع القمع واساليب التعذيب التي يشيب شعر الراس عند سماع تفاصيلها لمن عرفتهم اقبية السجون وزنازينها.

وفي صباح يوم الوحدة, في مفاجئة سعيدة, لم نكن مستعدين للتعاطي معها بجدية كما ينبغي, قيل لنا ان التعددية السياسية عبر الاداة الحزبية هي مبدأ ونهج ديمقراطي للتبادل السلمي للسلطة للدولة الموحدة الوليدة.

هكذا بدى الحال من النقيض الى النقيض التام, هذه الانتقالة الدراماتيكية بالتأكيد كانت بحاجة الى مرحلة اعداد وتهيئة ذهنية ونفسية ضرورية من خلال وضع برامج تأهيلية لمعالجة التشوهات الفكرية والسلوكية الناجمة فن فلسفة ادارة السلطة ولمنح الناس وقتاً معقولاُ من الناحية الطبية المحضة ليستوعبوا تدريجياً هذا التحول اللامتوقع أو اللامتخيل والشبيه بأفلام الفانتازيا وكتب السحر كحرز الجوشن, وهذا على اقل تقدير لمحو ذاكرة الخوف والترويع الممأسس والذي كان قائماً على شيطنة الحزبية والمتحزبين ولسنوات طوال عجاف, ومعالجة اثارها التدميرية الممتدة الى اليوم على جيل تلك المرحلة..

وصاحب ذاك التحول المعلن هاجس الخشية من ان تكون المسألة مجرد خدعة أمنية مدروسة سرعان ما سيتم انقضاض السلطة بمخالبها على الاحزاب المعلنة والفتك بمنتسبيها, أو على أحسن تقدير مزحة سمجة, ولا أظن ان الامر توقف عند هذا الأمر فقد امتدت اثار تلك المرحلة الى جيل اليوم, والذي هو ناتج تربية الجيل السابق المفزوع, ويبدو الامر واضحاً من التدني اللافت لنسبة الشباب المنتسبين الى احزاب سياسية, وحالة التردد وضعف الحماس, في الانخراط الفعال في مفاصل العمل الحزبي مما أدى أي ان تنتهي وضعية الاحزاب اليوم الى حالة من الضعف والركاكة المؤسسية, ما جعل منها ادوات سياسية غير كفؤة لتحمل مسؤولية التحول الديمقراطي الحقيقي, اضافة الى عوامل اخرى, عديدة لا يحتمل المقام هنا لسردها, لعبت السلطة حينها دورا لا اخلاقياً, لا وطنياً مدمراً في دورة حياة الاحزاب وتطورها, مما انعكس الامر بشكل جلي على ضعف النظام السياسي إجمالاً, بشقيه سلطة كانت أو معارضة, مع هشاشة لا شك في تغلغلها في مسار التجربة الديمقراطية المتجاوزة لعقدين من الزمن ..

ترى هل تحمل الايام القادمة أجنة غير مشوهة لأحزاب سياسية فتية مغايرة وخالية من شوائب وقصور تجربة احزاب المرحلة العتيقة, فتدشن مرحلة ديمقراطية على أسس سليمة, أو ربما أن الأمل في الاجيال الشابة لتلك المنتسبة للأحزاب القديمة تستطيع ان تحدث ثورات مؤسسية داخل احزابها وتبني على الإرث التراكمي, الايجابي منها, لتنطلق الى افاق الديمقراطية الحقة, حتى وان بدت على المدى القصير جداً, هكذا آمل, بعيدة المنال !!!!